هل القلق وكثرة التفكير تُسرّع من شَيب الشعر ؟؟
(بسم الله الرحمن الرحيم)
كم من مرةٍ رأيت فيها شاباً أوفتاه في مقتبل العمر لديها عدد من خصلات الشعر البيضاء الواضحة للعيان وربطت ذلك فوراً بشخصية الشخص القلقة أو المجهدة التي تفكر و ربما تعمل كثيراً.
هل تعتقد أن استنتاجك كان في محله أم أنه كان خاطئاً !!!
هذا ما سنحاول الإجابة عليه بإذن الله في موضوعنا اليوم في ساعة علم
نعم إن القلق والإجهاد قد يؤدي إلى أمراض خطيرة كأمراض القلب واضطرابات المعدة والنوم والصداع المزمن ،بالإضافة إلى بعض الأمراض الجلدية كحب الشباب والصدفية وتساقط الشعر المرضي.
لكن السؤال هنا هل من الممكن أن يتسبب القلق أيضا في الإسراع من شيب الشعر ليصبح رمادي اللون ؟؟
غالباً ما يظهر الشعر الرمادي(الشَيّب) بين عمر الثلاثين والخامسة والثلاثين ولكن معدل الشيب قد يختلف وفقا لعوامل مثل العِرق (فمثلاً نرى الشيب يأتي في مرحلة مبكرة لدى الأشخاص ذوي البشرة البيضاء أكثر من العرق الآسيوي أو الأفريقي ).
يوجد في فروة الرأس مئات الآلاف من الشعر تُنتج من ما يسمى كيس الشعرة (follicles) حيث تعمل كل واحدة منها لإنتاج خصلة شعر واحده وقبل أن تظهر الشعرة للجلد تقوم خلايا الصبغة
(melanocytes)بصبغ الشعر بمادة الميلانين(Melanin)،فالشعر الرمادي يعني أن صبغة الميلانين قليلة بينما الشعر الأبيض يعني انعدام الميلانين.
والسؤال هنا لماذا تتوقف الخلايا عن صنع مادة الميلانين عند التقدم في السن ؟؟
وهل يمكننا أن نؤجل من ظهور الشَيب في شعرنا إذا عشنا حياة هادئة غير قلقة ؟؟
في الحقيقة لايوجد رابط مباشر بين القلق وشَيب الشعر ، بل العامل الأكبر والقوي هي الجينات والوراثة التي تحدد كيف ومتى ستكون شَيبة الرأس في شعرك .
رحلة البحث عن الإجابة
لقد أجرى العلماء العديد من الدراسات والأبحاث لفهم سبب نقص أو انعدام صبغة الميلانين في الشعر كلما تقدم العمر مُسببّة بذلك شيب الشعر.
قد يخطر ببالك إن ذلك أمر كمالي وتجميلي غير مهم فلماذا يبذل العلماء كل هذه الجهود في محاولة فهم لغز شيب الشعر وعلاقته بالجينات والوراثة !!!!
سأقول لك لماذا:لأن شيب الشعر مجرد مثال لعلامات التقدم في السن وقد يكشف للباحثين فيما بعد معلومات وأسرار قد تفيدهم في حل المشاكل والأمراض المتعلقة بالشيخوخة.
مجموعه من النظريات والدراسات
سوف أعرض لكم بعض أبحاث العلماء وآرائهم حول شيب الشعر محاولة منهم لفهم أسباب تحول لون الشعر إلى رمادي وإن كانت هناك علاقة بين هذه الأسباب والقلق والضغط النفسي.
- ملاحظ بشكل أكبر
كما ذكرنا سابقا بمخاطر القلق والضغط النفسي التي قد تؤدي إلى تساقط الشعر، فإنه من الممكن أن يبدو لنا ظاهرياً كثرة الشعر الأبيض ، حيث إن سقوط الشعر الأسود جعلنا
نلاحظ أكثر وجود الشيب في الرأس.
-ربما إذا فهمت الجزء المعاكس للنظرية ستفهم النظرية !!!
في دراسة اُجريت عام 2004م قام العلماء بدراسة سرطان الخلايا الصبغية في الجلد(melanoma)الذي هو عبارة عن تكاثر سرطاني لعدد كبير من الخلايا الصبغية في الجلد التي هي مسؤولة عن إنتاج مادة الميلانين، فهذه الخلايا كما توجد في الشعر فهي تُوجد أيضا في الجلد و قزحية العين .
صور توضحية لسرطان الخلايا الصبغية في الجلد (melanoma)
و وجد العلماء أثناء محاولتهم لمعرفة المزيد عن طبيعة هذه الخلايا الصبغية أن الشعر يصبح رمادي اللون عندما تنقص وتنفذ الخلايا الجذعية الصبغية(melanocyte stem cells)، بل إنه حتى قبل أن تفنى هذه الخلايا الجذعية تماما ، فإنها تخطيء في عملها مثل وضع الصبغة في المكان الخطأ في كيس الشعره (follicle)، وبذلك تفقد أثرها الصبغي على الشعر .
لذا فقد كان محل اهتمام الباحثين هو معرفة مالذي يُقلّل كمية الخلايا الجذعية الصبغية (melanocyte stem cells) في الشعر بالتحديد،بينما هي في نفس الوقت تتكاثر في الجلد بشكل غير طبيعي مكوّنة ورم سرطاني.
-قلق من نوع اخر !!
أوضحت دراسة يابانية أُجريت في عام 2009م أن هناك نوع من الضغط والجهد قد يُسبب شيب الشعر ،ولكنه ليس ذلك الناتج عن التوتر والضغط النفسي. بل ذلك النوع من الضغط الناتج من ضرر أشعة الشمس فوق البنفسجية والمواد الكيميائية التي تٌتلف الحمض النووي وتستنزف الخلايا الجذعية الصبغية كما أطلق الباحثون عليه ضغط السموم المؤثرة على الجينات (genotoxic stress).
وهذا النوع من الضرر لايحدث فقط في هذا النوع من الخلايا الصبغية بل ربما في جميع خلايا الجسم متسببة بأمراض أشد خطراً كسرطان الدم مثلاِ. و يشير الباحثون إلى أنه من الممكن منع تلف الحمض النووي إذا أمكننا إزالة هذا النوع من السموم المؤثرة على الجينات ،ولكن صعوبة الأمر تكمن في التعرض اليومي لهذا النوع من الضغوطات ، مما يجعل التجنب الكامل لها من المستحيلات .
ولذا فإن أهمية هذا البحث تكمن في إيجاد طرق للتقليل من التعرض لهذا النوع من الضغط والسموم .
-عوامل خارجية
وفي دراسة أخرى قام بإجرائها علماء أوربيون عام 2009م قالوا فيها إن لون شعر الشيب الرمادي يعود إلى تراكم مادة بيروكسيد الهيدروجين (hydrogen peroxide) في كيس الشعرة على مر الزمان .
ربما قد سمعتم بهذه المادة الكيميائية من قبل فهي أحد مكونات صبغات الشعر الصناعيّة،ليس ذلك فحسب بل إن هذه المادة ينتجها جسم الإنسان من عمليات الهدم والبناء الحيوية ،ومع تقدم العمر تزيد كمية بيروكسيد الهيدروجين في خلايا الجسم متضمّنة بذلك الشعر وتعمل على التقليل من عملية صنع صبغة الشعر الميلانين .
ويبحث العلماء حالياَ عن احتمالية وجود علاقة بين القلق والتوتر و زيادة مستوى بيروكسيد الهيدروجين في الشعر.
فكما رأيتم من خلاصة هذه الدراسات أنها مجرد فرضيات لفهم شيب الشعر وليست هناك نظرية وسبب واحد بإمكانه أن يفسّر ذلك عوضاً عن وجود علاقة مباشرة بين الضغط النفسي وشيب الشعر خصوصاً إن لم يكن هناك تساقط غير طبيعي في الشعر، ربما تكفي قراءة هذه الخلاصة للإجابة عن عنوان هذا المقال ،ولكني أحببت أن أسرد لكم هذا الموضوع بدراسات العلماء وأهمية البحث العلمي لفهم مايحدث في جسم الإنسان لأن ذلك يقودنا إلى اكتشافات وعلاجات مهمّة بإذن الله.
المصادر:
مها العطّاس
0 التعليقات